تُعتبر السنة الصينية الجديدة، أو “عيد الربيع“ كما يُطلق عليها في الصين، واحدة من أقدم وأهم الاحتفالات التقليدية في العالم. فهي ليست مجرد مناسبة للاحتفال ببداية عام جديد، بل هي رحلة روحية تعود فيها الأسر الصينية إلى جذورها، وتجتمع حول مائدة واحدة لتعيد توثيق الروابط العائلية وتستقبل العام الجديد بكل ما يحمله من أمل وتفاؤل.
توقف الحياة: عودة إلى الديار
تُغلق الصين أبوابها خلال احتفالات السنة الصينية الجديدة. فالمصانع تتوقف عن العمل، والمتاجر تُعلق لافتات “مغلق”، وتمتلئ وسائل النقل بملايين المسافرين الذين يعودون إلى مدنهم وقراهم الأصلية. هذه الهجرة الداخلية الضخمة، التي تُعرف باسم “تشونيون“، تُعتبر أكبر حركة سفر سنوية في العالم، حيث يسافر مئات الملايين من الصينيين عبر البلاد للاحتفال مع عائلاتهم.
طقوس مقدسة: بين الماضي والحاضر
تتسم احتفالات السنة الصينية الجديدة بالعديد من الطقوس والعادات التي توارثتها الأجيال، والتي تحمل في طياتها دلالات رمزية عميقة:
- التنظيف والترتيب: يُعتبر تنظيف المنزل قبل بداية السنة الجديدة من الطقوس الأساسية، حيث يرمز إلى التخلص من الطاقة السلبية وتهيئة المكان لاستقبال الحظ السعيد. وهذه العادة تُذكرنا بعادة “كنس البيوت” في العديد من الدول العربية قبل الأعياد، والتي تهدف أيضًا إلى تجديد الطاقة وبداية جديدة.
- الولائم العائلية: تُقام الولائم العائلية الكبيرة في ليلة رأس السنة، والتي تُعرف باسم “ليلة الشتاء”. وتُقدم على المائدة أطباق تقليدية تحمل دلالات رمزية، مثل السمك الذي يرمز إلى الوفرة، والزلابية التي ترمز إلى التجمع والتماسك. وهنا نجد تشابهًا كبيرًا مع ولائم الأعياد في العالم العربي، حيث تجتمع العائلات حول مائدة واحدة لتناول أطباق تقليدية تميز مناطق عالمنا العربي مثل الحنيذ والمندي والكبسة والمقلوبة، والتي تُعتبر رمزًا للكرم والتجمع العائلي.
- اللون الأحمر: يُعتبر اللون الأحمر لون الحظ والسعادة في الثقافة الصينية. لذا، ترتدي العائلات الملابس الحمراء، ويُزينون منازلهم بالفوانيس الحمراء واللفائف المكتوبة بعبارات تمنيات الخير. وفي الثقافة العربية، يُعتبر اللون الأحمر أيضًا لونًا مبهجًا ومرتبطًا بالفرح والاحتفال، خاصة في الأعراس والمناسبات السعيدة.
- إشعال الألعاب النارية: تُضاء الألعاب النارية والألعاب الضوئية في منتصف الليل لإبعاد الأرواح الشريرة وجلب الحظ السعيد. وهذه العادة تُشبه إلى حد كبير عادة إطلاق الألعاب النارية في الأعياد والمناسبات السعيدة في العالم العربي، والتي تُضفي جوًا من البهجة والاحتفال.
- تقديم الهدايا: يتبادل أفراد العائلة والأصدقاء “ظروف الحظ“ الحمراء التي تحتوي على أموال، كرمز لدعواتهم بالصحة والثراء في العام الجديد. وهذه العادة تُذكرنا بعادة “العيدية“ في العالم العربي، حيث يتبادل الأطفال والأقارب الأموال كهدايا في الأعياد
احتفالات حول العالم: جسر بين الثقافات
لا تقتصر احتفالات السنة الصينية الجديدة على الصين فقط، بل تُقام في العديد من الدول حول العالم التي تضم جاليات صينية كبيرة. وتُقام العروض الفنية التقليدية، مثل رقصة الأسد ورقصة التنين، بالإضافة إلى الأسواق المليئة بالأطعمة والحلويات التقليدية.
جذور مشتركة: بين الصين والعالم العربي
على الرغم من الاختلافات الثقافية بين الصين والعالم العربي، إلا أن هناك العديد من القيم المشتركة التي تجمع بينهما، خاصة فيما يتعلق بأهمية الأسرة والتجمعات العائلية. فكلتا الثقافتين تُقدّس الروابط الأسرية وتعتبرها أساس المجتمع. كما أن كلا الثقافتين تُولي أهمية كبيرة للطعام وتُعتبره وسيلة للتعبير عن الحب والكرم.
تُعد السنة الصينية الجديدة فرصة للتعرف على ثقافة الصين العريقة وتقاليدها المميزة. كما أنها تُذكرنا بأهمية الأسرة والتجمعات العائلية، وهي قيم مشتركة بين حضارتنا العربية والاسلامية العريقة والحضارة الصينية.
وكل عام وأنتم بخير